دراسات
إسلامية
الثقافة
الإسلامية وأثرها في الحضارة
(3/4)
بقلم : الأستاذ
محمود الشرقاوي
ويدين
علم الجبر باسمه إِلى العرب ، فهم أول من
أطلق عليه اسمه ، ولا يزال الفرنجة يحتفظون حتى اليوم باسمه العربي Algebra
وقد كان العرب أول من كتب فيه على نهج علمي ، وفي كتاب الخوارزمي
السالف الذكر توجد أصول هذا العلم ومقوماته كما توجد أقدم جداول حساب المثلثات.
والخوارزمي هو صاحب الحلول التحليلية والهندسية لمعادلات
الدرجة الثانية ، وقد عولت الجامعات الأوربية على كتاب «الجبر والمقابلة» (1)
حتى القرن السادس عشر وعنه عُرِفَت كلمة الجبر
في اللغات الأوربية . يقول الدكتور على مصطفى مشرفة «ليس
الخوارزمي واضعًا لعلم الجبر فحسب بل إِنه يتضح أن انتشار العلم في المشرق والمغرب
إِنما يرجع الفضل فيه بعد إرادة الله إلى كتاب الخوارزمي الذي صار المرجع الأول
للمؤلفين والمترجمين من عرب وأعاجم ولذلك يحق لنا أن نقول إن الخوارزمي هو واضع
علم الجبر ومعلمه للناس أجمعين»
.
وزاد
نصير الدين الطوسي (597-672هـ = 1201-1274م) فوضع كتاباً صاغ أصله تحت العنوان
نفسه . وتوصل علماء العرب في هذا المجال إلى حلول للمعادلات – دبرية وهندسية .
وهذا هو استخدام الرموز التي كلف بها المحدثون من الرياضيين الغربيين ، تفاديًا
للغموض وتحقيقًا للدقة.
وكان
للعالم العربي ثابت بن قرة (221-288هـ / 836-901م) الفضل في ابتداع علم التفاضل
والتكامل وأسهم معه في هذا الفضل أبو الوفاء محمد البوزجاني (ت387هـ/998م) وكان
لهذا العلم تأثيره الملحوظ في تقدم الرياضة والطبيعة في عصرنا الراهن .
ويدين
علم حساب المثلثات بوجوده لرياضي العرب ؛ يقول العلامة «هل»
«ومن
تراث العرب علم حساب المثلثات وعلم الزوايا والتماس . ولم يكن في استطاعة بيور باخ
، رجيونا نوس وكوبرنيق أن يصلوا إلى ما وصلوا اليه دون أساس من علوم العرب، وما
ساهموا به في ميدان الرياضيات . ذلك أن العرب أحبوا تدعيم نظرياتهم بنماذج عملية ،
وساعدهم ذلك على وصول درجة الكمال في علم الجوراسيا (مقياس سطح الأرض) الخاص بقياس
ارتفاع الجبال واتساع الوديان ، أو حساب المسافة بين نقطتين تقعان على سطح منبسط،
واستخدم العرب هذا العلم أيضًا في تصميم مجاري المياه(2).
9 – في علم
النبات :
نما
علم النبات على يد العرب في خدمة الطب والصيدلة والفلاحة ، وقد اصطنعوا في
دراساتهم للنباتات الملاحظة والمعاينة حتى كان رشيد الدين الصوري (573-639هـ /
1177- 1241م) يصحب معه مصورًا يحمل الأصباغ
المختلفة ويتوجه إلى المواضع التي فيها النبات فيشاهده ويحققه ويريه للمصور فيعتبر
لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله ويصور بحسبها ، وكان يرى المصور النبات في إبان
نباته وطراوته فيصوره ، ثم يريه إياه ، وقت كماله وظهور بذره فيصوره تلو ذلك ، ثم
يريه إياه في وقت ذواه ويبسه فيصوره(3). وهكذا يبدو النبات في صور شتى
تمثله في كل أدواره كما يرى ابن أبي أصيبعة(4).
وفي
ضوء هذا المنهج التجريبي وفق علماء العرب في معرفة الكثير من المواد الطبيعية التي
كان يجهلها أسلافهم ، وأدخلوها في العقاقير الطبية ، ولعلهم أول من استخدم الراوند
وخيار الشنبر والمن والكافور . بل أنهم استطاعوا أن يستولدوا الأسود، وأن يكسبوا
بعض النباتات خصائص العقاقير في مفعولها الطبي .
ومن
أشهر علماء العرب دقة في دراسة النباتات أبوجعفر أحمد ابن محمد الغافقي (ت 550هـ /
1160م) وقد ضمن كتابه في الأدوية المفردة أسماء النباتات بالعربية واللاتينية
والبربرية ، ويرى ماكس مايرهروف أن الغافقي هو أعظم صيادلة العرب أصالةً وإبداعًا
، وأحسن علمائهم في النبات مكانة طوال العصور الوسطى ، وأن كان المشهور أن أعظم
علماء النبات هو ابن البيطار (ت646هـ / 1248م) وأهم كتبه «الجامع
في الأدوية المفردة» وقد ضم أكثر من ألف
وأربعمائة صنف من الأدوية ، يقال أن بينها أربعمائة صنف لم يسبقه إليها صيدلاني من
قبل . وهو أول عالم اهتم بدراسة الحشائش التي تنبت في الحقل وتضر بالمحاصيل . ومن
رواد علماء الزراعة المسلمين : أبو عبد الله بن بصال الطليطلي ، وابن مالك الطغنري
الغرناطي ، وابن العوام الأشبيلي وابن لونكو القرطبي .
وقد
عاش ابن بصال في طليطلة في عصر بني ذي النون ، ملوكها من الطوائف ، في أواسط القرن
الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) وكان يُعنى بالإشراف على حدائق بني ذي النون
الفخمة التي كانت (بالمنية) الشهيرة التي أنشأوها خارج طليطلة . وقد اشتهر ابن
بصال يومئذ بتجاربه العلمية الناجحة في توليد الغراس ، ومكافحة الآفات الزراعية ،
وكتابه «الفلاحة»
يشهد ببراعته في هذا الميدان . وهو يتناول فيه ذكر المياه والأرضين ، ومختلف أصناف
النباتات وطبائعها وعلاجها من الآفات .
وأما
الطغنري ، فهو أبو عبد الله محمد بن مالك وهو غرناطي ، وقد عاش بمملكة غرناطة في
أواخر القرن الحادي عشر الميلادي ، ووضع كتاباً في الفلاحة سماه «زهر
البستان ونزهة الأذهان»
وهو لايزال مخطوطاً لم ينشر.
وأما
ابن لونكو ، فقد عاش في قرطبة في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري ، وكان
أيضًا من تلاميذ تلك المدرسة الزراعية الباهرة . وقد توفي سنة 498هـ (1104م) .
وأما
ابن العوام الأشبيلي فهو حسبما يرد ذكر اسمه في كتابه ، أبوزكريا يحيى بن محمد بن
أحمد بن العوام الأشبيلي ، عاش في أشبيلية في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي ،
وهو يقدم إلينا في مؤلفه الضخم كتاب «الفلاحة»
عرضًا مستفيضًا للفنون الزراعية . وقد نشر هذا الكتاب في سنة 1802م بمدينة مدريد ،
وقام على نشره العلامة المستشرق القس يوسف النطونيو بانكيري وقرنه بترجمة أسبانية
.
وقد نقل العرب من المشرق وشمال أفريقيا إلى
أسبانيا كثيرًا من المحاصيل والأشجار كالقطن والأرز وقصب السكر والزعفران والنخيل
الذي مازالت تزدان به الحدائق والمدن الأسبانية الجنوبية ، والزيتون الذي غدا فيما
بعد ، وحتى اليوم أعظم محاصيل أسبانيا .
وأما
نبوغ مسلمي الأندلس في تنظيم وسائل الري والصرف واستجلاب المياه وتوزيعها بالطرق
الفنية فما زالت تشهد به آثارهم الباقية إلى الآن في وديان الأندلس ، من القناطر
والجداول الدارسة ، ومازالت ثمة مناطق كثيرة ولا سيما في أحواز بلنسية ومرسية ،
تقوم في زراعتها على مشاريع الري الأندلسية القديمة .
وقد
انتقلت الفنون الزراعية على يد الرواد المسلمين ، وعلى يد المحلات الإسلامية
المتعددة التي قامت خلال القرن العاشر الميلادي في جنوبي فرنسا ، وفي ليجوريا
وجنوبي سويسرا ، إلى شعوب هذه الأقطار ، ويقال أن القمح الأسود الذي يعتبر اليوم
من أهم محاصيل جنوب فرنسا إنما هو أثر من آثار أولئك الرواد ، فهم الذين نقلوا
بذوره إلى فرنسا ، وهم أيضًا الذين نقلوا فسائل النخيل الذي مازالت تزدان به شواطئ
الريقييرا .
يقول «سينوبوس» : إن المسلمين استعملوا جميع أنواع الزراعة وحملوا كثيرًا
من النباتات إلى صقلية وأسبانيا وربوها في أوربا فأحسنوا تربيتها حتى تظنها متوطنة
ومثل ذلك الأرز والزعفران والعنب والعطر والورد الأزرق والأصفر والياسمين والقطن
والقصب».
وقد
عرف العرب تربية الدجاج على أسس علمية ، وكان موفق الدين عبد اللطيف البغدادي الذي
ولد في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي بمدينة بغداد ، أول من وصف تربية الدجاج
على أسس علمية في التغذية والتفريخ ، بل إنه قال بالتفريخ في الحضانات .
10 – في
علم الحيوان :
عرف
العرب التهجين ، وتحسين النسل ، وتجويد الحيوانات الملبونة ، والخيول العربية
الأصيلة، ذات الشهرة العالمية ، لاتزال شاهدة على ذلك ، ومن علماء العرب الذين
اشتهروا بالكتابة في علم الحيوان الجاحظ والدميري . ولعل كتاب «الحيوان»
الذي ألفه الجاحظ ، يعتبر من أروع ما كتب في علم الحيوان ، من حيث الدقة والوصف
والأدب ، فقد كان الجاحظ أديبًا وعالماً ومؤلفاً ، كتب البخلاء ، والبيان والتبيين
، وترك لنا كتاب «الحيوان»
الذي كان دقيقًا فيه بعلمه ، باحثاً مخلصًا في تجاربه ، فلقد كان يقطع بعض الأعضاء
، ويلقى ببعضها في السم ، ويستقصي عن البيض ، ويذبح الحيوان ليفتش في جوفه ، أو
يدفنه بإهالة التراب الخفيف عليه ، ليعرف حركاته أو يذوقه ليفحص طعم لحمه ، أو يشق
بطن أنثاه ليعرف مقدار ولده، وموضع كل واحد منها ، أو يجمع الأضداد ليرى تقاتلها
إلى غير ذلك .
وكمال
الدين الدميري (782-808هـ / 1341-1405م) وكتابه «حياة
الحيوان»
عمل عظيم ذاع صيته في الشرق الأوسط والغرب ، وهو قاموس حيواني ، رتب فيه صاحبه
الحيوانات على حروف المعجم ؛ وفي مجلة المشرق 10: 765 ثم 15 : 392 أن الكولونيل
جايكار A.S.G. Jayakar أحد أساتذة كلية بمباي بالهند ترجم كتاب «حياة
الحيوان»
إلى الإنجليزية وطبع القسم الأول منه في لندن سنة 1906، والقسم الثاني سنة 1908م .
11 – في
علوم البحار :
إن
الفضل في تسمية «علم البحر»
يرد بالدرجة الأولى للملاح العربي أحمد بن ماجد الذي عاش في ظفار بجنوب الجزيرة
العربية في القرن الخامس عشر الميلادي وشهد مطلع القرن السادس عشر كذلك(5).
والملاحة الفلكية الحديثة التي تعتمد بالدرجة الأولى على أرصاد النجوم الملاحية
التي لا تزال تعرف بأسمائها العربية قد أسهم العرب في تقدمها إسهامًا كبيرًا. ومن
بعده علم المثلثات الكروية وقد وضع أصولها علماء عرب واستخدموهما في قياساتهم
الفلكية وفي ضبط المراحل الملاحية ، وقد طور العرب منذ عصر الخوارزمي وعلماء الأندلس الاسطرلاب ثم استعاضوا عنه في قياس
ارتفاع النجوم بأجهزة علمية يعتمد تدريجها على حساب المثلثات وعلى اتخاذ خط الأفق
الذي يسهل رؤيته في البحر كونه أحدثى للقياس بدلاً من المحور الرأسي المستخدم في
الاسطراب ، الذي يتأثر بقلقله المركب ، وكانت قياساتهم لهذا السبب أكثر دقة من
قياسات البرتغال(6).
وابن
ماجد أول من طور البوصلة الملاحية بالمفهوم الحديث وكانت تسمى الحقة ؛ وعن العرب –
إبان الحروب الصليبية – عرفها الأوربيون؛ وأول بوصلة من هذا النوع وبهذا الاسم
صنعت في ايطاليا بعد عصر ابن ماجد بنحو خمسين سنة ، بل إن كلمة بوصلة هي ترجمة
حرفية لكلمة «الحقة»
العربية(7).
ويعتبر
كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد (في العلوم البحرية) مثالاً لما يمكن أن
تحتوي عليه المرشدات الملاحية ، ففيه يصف المؤلف هذا العلم بأنه من العلوم
المضبوطة العقلية التي تمكن الربان من الوصول إلى البلد المطلوب دون ميل أو انحراف
، كما تعرف به خطوط الطول والعرض ومنها يمكن تحديد القبلة أو مواضع البلدان بالضبط
، ويقتضي ذلك معرفة الربان – بالنجوم الملاحية وطرق رصدها بدقة وتقسيم دورة الرياح
ومعرفة الاتجاهات، وكذلك مواسم السفر الملائمة وفقاً للرياح والتيارات من وإلى
المواني المختلفة ؛ ويضيف ابن ماجد إلى كل ذلك مايسميه بعلم الإرشادات ويقصد بها
معالم السواحل والجزر وخصائص المياه وطبيعة القاع وقدرًا من المعلومات عن الأسماك
والطيور وحشائش البحر التي تعين الربان على التعرف على السواحل المختلفة.
ولقد ظهر في الأمة الإسلامية كثيرون أمثال
ابن ماجد من الذين أتقنوا الملاحة ، وعرفوا الكثير من أسرارها ، ولهم فيها مصنفات
ظلت قروناً مرجعاً للافرنج يستفيدون منها ، ويستغلون محتوياتها بما يعود عليهم
بالتقدم والرقي نذكر منهم محمد بن شاذان ، وسهيل بن أبان ، وليث بن كهلان ،
وسليمان الماهري، وعبد العزيز بن أحمد المغربي وغيرهم .
12 – في
الجغرافيا :
أسهم
العرب في تقدم علم الجغرافيا بنصيب موفور ، يدل على ذلك مؤلفاتهم الكثيرة فيه ،
ومافيها من معلومات لم تكن معروفة من قبل .
وإذا
كان اليونان قد سبقوهم في ذلك فإنهم هم الذين حفظوا معارف اليونان ودرسوها ، ثم لم
يلبثوا – كعادتهم – أن فاقوهم فيها ، فصححوا ما نقلوه عنهم ، وأضافوا إليه الكثير
مما لا عهد لليونان ولا لغيرهم به ، وقد ترجم بعض تراثهم في ذلك إلى اللاتينية في
العصور الوسطى ، والحق أن أوربا مدينة للعرب في معرفة المعلومات اليونانية في
الجغرافيا ، فهي لم تعرف هذه المعلومات إلا من الكتب العربية .
وقد
ساعد العرب على هذا التفوق حبهم للسياحة والرحلات ، فجابوا البلاد من الصين إلى
مجاهل أفريقيا ، وأقاموا علاقات تجارية واسعة مع بلاد لم يسمع بها الأوربيون ، أو
شكوا في وجودها.
ومن
طلائع هؤلاء الرائدين التاجر سليمان ، والذي أبحر من سيراف على الخليج العربي ،
وجاوز المحيط الهندي ، وبلغ شواطئ الصين ، ثم كتب رحلته في سنة 851م ، وكتابه هو
أول مؤلف نشر في بلاد الغرب عن بلاد الصين وقد نقل إلى اللغة الفرنسية(8).
ثم
جاء من بعده المسعودي (346هـ) الذي قضى خمسًا وعشرين سنة من حياته في الطواف في
الدولة الإسلامية ، وفي الممالك المجاورة لها كبلاد الهند وقيد ماشاهده في تأليفه
المهمة التي يعد أشهرها كتاب «مروج
الذهب ومعادن الجوهر» الذي قال فيه ابن
خلدون : «إِنه
شرح فيه أحوال الأمم والآفاق لعهده شرقًا وغرباً ، وذكر نحلهم وعوائدهم ، ووصف
البلدان والجبال والبحار والممالك والدول ، فصار إمامًا للمؤرخين يرجعون إليه ،
وأصلاً يعولون في تحقيق الكثير من أخبارهم عليه».
كما
قام ابن بطوطة (ت 779هـ) برحلاته التي طاف فيها بجميع أنحاء العالم القديم تقريباً
، وقد ترجمت هذه الرحلة إلى أكثر من لغة ، وطبعت في باريس في عامي 1853 و 1859،
ولندن عام 1829 ، وبرلين عام 1912م .
وعن
فضل الرحالة المسلمين كتب المؤرخ زكي حسن في خاتمة كتابه «الرحالة
المسلمون في العصور الوسطى»
يقول : «وحسبنا
لتبيان فضل الرحالة المسلمين أن ينتهى بنا المطاف إلى أن دراستهم على نحو واف دقيق
أمر لا بد منه لكل بحث في تاريخ التجارة ، أو النظام السياسي ، أو التاريخ
الاجتماعي في الشعوب الإسلامية والأمم التي اتصلت بها ، فإن ما كتبه الرحالة
المسلمون من وصافين وجغرافيين كنز لا ينضب معينه ، حيث إنه يضم الوثائق عظيمة
الشأن في تاريخ الإنسانية وفي استطاعة الباحث أن يستخرج منها شتى الحقائق ومختلف
ضروب المعرفة ، ومطمئنًا إلى نتائج بحثه ، إذا أقبل على دراسة هذه الوثائق ببصيرة
نافذة وبشيء من الحذر الذي يتطلبه النقد العلمي عند معالجة النصوص في العصور
الوسطى غربية كانت أو شرقية(9).
وكتب
الكاتب نفسه مستشهدًا بقول أحد المستشرقين الروس ماينم على تفوق الرحالة المسلمين
على نظرائهم في الغرب فيقول : «وقد
كتب المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي أن جغرافي العرب ملأوا الفراغ وسدوا الفجوة
الزمنية بين عهد بطليموس العالم اليوناني وعهد ماركوبولو العالم البندقي ، وأن
أخبار رحالة العرب وقصصهم أكثر تنوعاً وأشد حيوية وقوة مما نجده مسطورًا في كتب
علماء اليونان وجداولهم ، وأن عملهم الذي ضمنوه كتبهم يمتاز بأنه أعظم اختيارًا
ونقدًا ، وأكثر في التفاصيل مما ورد في كتابات الرحالة البندقي العظيم ماركوبولو(10).
واشتهر
بعلم الجغرافيا كثير من علماء العرب، وأبرزهم الشريف الأدريسي ، وقد ألف في سنة
1154م كتابه «نزهة
المشتاق في ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزر والمدائن والآفاق»
وهو كتاب عظيم ، اشتمل على معلومات من سبقه ، وعلى ماشاهده بنفسه ، وماسمعه من
السائحين قبله، وهو مزود بأكثر من أربعين مصورًا جغرافياً ، ومصوره عن منابع النيل
يثبت أن معارف العرب في جغرافية أفريقية أعظم مما كان يظن ، وقد نقل هذا الكتاب
إلى اللاتينية ، وتعلمت منه أوربا علم الجغرافيا في القرون الوسطى ، وظلت تعول
عليه أكثر من ثلاثة قروق .
وقد
وضع الادريسي خريطة للأرض صنعها من الفضة الخالصة وهي تزن 400 رطل وتعتبر الأولى
من نوعها ؛ وقد أوضح عليها الأقاليم والبلدان والأنهار والبحار وقد قسم الادريسي
الأرض في كتابه حسب خطوط العرض وكان أول من قسمها حسب خطوط الطول .
وقد
توقع الادريسي وجود أمريكا في الطرف الثاني من الأرض ، قبل اكتشافها بعدة قرون ،
ولقد نشرت مجلة «نيوزويك»
الأمريكية ، في عددها الصادر بتاريخ 10 مايو 1961 ، أن الدكتور «هوى
لن لى»
أستاذ البولوجيا في جامعة «بنسلفانيا»
أورد بعض الدلائل على أن العرب اكتشفوا القارة الأمريكية ، قبل كريستوف كولومبس
بأربعة قرون».
يقول
المؤرخ جوتيه : «إن الشريف الادريسي
الجغرافي كان أستاذ الجغرافيا الذي علم أوربا هذا العلم وظل معلمًا لها ثلاث قرون
؛ ولم يكن لأوربا مصور للعالم إلا مارسمه الادريسي ؛ ومنهم ياقوت الحموي
(574-626هـ / 1178-1229م) صاحب كتاب «معجم
البلدان»
وهو معجم وموسوعة جغرافية ضخمة إلى جانب مافيه من معارف تاريخية وأدبية عظيمة ؛
يقول المؤرخ «سارطون»
إن كتاب معجم البلدان لياقوت ، منجم غني جدًا للمعرفة ، وليس له نظير في سائر
اللغات»
ووضع أبو الفدا (أمير حماه) كتاب تقويم البلدان ، الذي ترجم إلى اللاتينية في
القرن الثامن عشر ، وكان مرجع كثير من علماء الغرب .
وهكذا يتجلى فضل العرب في هذا العلم ، يقول
العلامة جوستاف لوبون «ويكفى أن نشير مع ذلك إلى ما حققه العرب في الجغرافيا لإثبات
قيمتهم العالية ، فالعرب هم الذين عينوا بمعارفهم الفلكية مواقع الأماكن تعيينًا
مضبوطاً في الخرائط ، فصححوا بذلك أغاليط علماء اليونان ، والعرب هم الذين نشروا
رحلاتهم الممتعة عن بقاع العالم التي كان يشك الأوربيون في وجودها ، والعرب هم
الذين وضعوا الكتب الجغرافية التي جاءت ناسخة لما تقدمها، فاقتصرت أمم الغرب عليها
وحدها قرونًا كثيرة(11).
* * *
الهوامش :
(1)
تحتفظ له جامعة كمبردج بأصل كتاب للحساب ، كما تحتفظ جامعة أكسفورد بأصل
كتابه «الجبر والمقابلة» ومازال هذا الكتاب يترجم في القرن العشرين . فقد ترجم عام 1915 .
(2)
ى . هل : الحضارة العربية ، ص 108 .
(3)
الأعلام : 3/23 .
(4)
طبقات الأطباء : 2/216 .
(5)
توفى بعد سنة 904هـ - 1498م الأعلام : 1/200L .
(6)
أنور عبد العليم : الملاحة وعلوم البحار عند العرب . الكويت ، ص 12 .
(7)
المصدر السابق .
(8)
جوستاف لوبون : حضارة العرب ، ص 491 – 492 .
(9)
زكي حسن : الرحالة المسلمون في العصور الوسطى ، ص 179 .
(10)
المصدر السابق ، ص 180 .
(11)
جوستاف لوبون : حضارة العرب ، ص 499 ، وراجع الحضارة الإسلامية في القرن
الرابع الهجري للاستاذ آدم متز 2/12 .
* * *
مجلة
الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الثانية – رجب
1426هـ = يوليو – سبتمبر 2005م ، العـدد : 7–6 ، السنـة : 29.